صدام محتمل بين العلم والاستدامة على القمر

مواضيع مفضلة

Tuesday, September 17, 2019

صدام محتمل بين العلم والاستدامة على القمر

الجليد القمري يمكن أن يكون موردًا حيويًّا للمستكشفين في المستقبل. كما يمكن أن يشكل كنزًا بيولوجيًّا فلكيًّا دفينًا. فهل يمكن استخدامه ليحقق الأمرين؟ 
صدام محتمل بين العلم والاستدامة على القمر
ينتشر الجليد السطحي (باللون الأزرق) في أكثر المناطق ظلامًا وبرودةً في القطب الجنوبي القمري (يسار) والقطب الشمالي (يمين)، كما يتبين من جهاز إعداد خرائط للخصائص المعدنية للقمر الخاص بناسا Credit: NASA
يتراءى القمر الأرضي كطيفٍ في الأفق. بعد خمسين عامًا من أول مرة وطئت فيها أقدام البشر سطح القمر، يتسابق العديد من الأمم والشركات الخاصة الهادفة إلى الربح من أجل العودة.
لأولئك الراغبين في وضع مزيد من البشر على سطح القمر، يرتكز العديد من الخطط لأداء مهمات قمرية في المستقبل على حصد الموارد المتاحة هناك. وفيما يبدو أن الهدف الأكثر ثراءً بالموارد يتمثل في قطبي القمر، حيث تعمل الفوهات المتوارية في الظل دومًا بمنزلة "مصائد باردة"، تتراكم فيها طبقات من جليد المياه الناشئ عن ارتطامات النيازك والمذنبات عبر مليارات السنين، وأيضًا احتمال وجود "دورة مائية" نشطة على القمر.
تلك الخزانات، التي أخذت تتشكل على مدى دهور، يمكن أن تكون هائلة الحجم حقًّا، ومن شأنها أن توفر ثلجًا مائيًّا كافيًا لرواد الفضاء من أجل البقاء على قيد الحياة وتحقيق الازدهار، مما يتيح استدامة وجود البشر على القمر. يمكن للثلج المستخرَج من الفوهات الجليدية أن يُستخدَم في تصنيع وقود دفع الصواريخ، وخلايا الوقود، وفي الوقاية من الإشعاع، ناهيك بإنتاج المياه الصالحة للشرب.
كذلك قد يقدم ذلك المورد الدفين كنزًا من نوع مختلف. فعلى الرغم من الفائدة الواضحة للجليد لبقاء البشرية، قد تكون له قيمة علمية هائلة أيضًا؛ إذ يكشف عن فصول خفية من التاريخ القمري، يمكن أن تعزِّز معرفتنا فيما يتعلق بكيفية نشأة الحياة وتطورها على الأرض. يتناقش الخبراء الآن حول ما إذا كان ينبغي الإعراض عن الخطط الوليدة لاستخراج الجليد القمري، على الأقل إلى حين فهم إمكانياته العلمية بشكل أفضل.
التعاون في استكشاف القمر
يقول لازلو كيستاي، وهو عالِم جيولوجي يعمل لدى مركز علوم الجيولوجيا الفلكية التابع لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، في فلاجستاف، بولاية أريزونا: إن الجليد القمري ذو أهمية بحثية لا جدال فيها. ويُتصوَّر أنه يمكن للدراسات حول الطبقات الجليدية الموجودة في الفوهات القطبية المظلمة أن توفر معلومات جديدة عن الاستقرار طويل المدى لمدار القمر، وعن طبيعة ارتطامات النيازك والمذنبات وتوقيت وقوعها، وحتى عن أحداث سابقة من النشاط البركاني على القمر.
يقول كيستاي: "من حيث المبدأ، ينبغي ألا يكون ثمة تعارض حقيقي بين استخدام الموارد في موضعها على القمر وبين العلم، على الأقل في المرحلة الحالية". ولكنه يشير إلى أنه "من الضروري تطوير فهم علمي أفضل للجليد على القمر؛ كي نتمكن من أن نصمم على نحو سليم إستراتيجيات وتقنيات لاستخدامه كمورد في موضعه".
إذا استُغِلَّت الطبقات الجليدية القطبية على القمر، فقد يكون ذلك مثالًا رائعًا على مشروع يتعاون فيه العلم والتجارة معًا. تلك هي وجهة نظر جون روميل، وهو مسؤول سابق في قطاع الحماية الكوكبية لدى وكالة ناسا، وهو الآن أحد كبار العلماء في معهد سيتي SETI   في ماونتن فيو، بولاية كاليفورنيا.
يقول روميل: "من جانبهم، ينظر العلماء إلى طبقات الجليد القطبي العديدة باعتبارها سجلًّا لارتطامات النيازك والمذنبات التي وقعت في الماضي، وأنها تلقي الضوء على التاريخ الطويل للنظام الأرضي القمري. ولكنهم بحاجة إلى خبرة هندسية حتى يتمكنوا من الحفر للحصول على عينة جوفية عند 80 درجة على مقياس كلفن، وهي درجة حرارة منخفضة جدًّا".
وفي المقابل، وفق قول روميل، سوف يرغب "منقبو الجليد" في معرفة مكوِّنات الجليد وإذا ما كان من درجة عالية، أي ليس مغبرًّا أو ملوثًا بطريقة أخرى. كما يشير إلى أن "بعض المذنبات قد تحتوي على ما يعادل 5 بالمئة من السيانيد في جوفها. ومن ثَمّ سيتعين على عمال التنقيب على القمر توخي الحذر بشأن جودة المنتج إذا كانوا سيبيعونه!".
اهتمام فلكي بيولوجي
يقول بول لوسي، عالِم الكواكب بجامعة هاواي في مانوا: إننا نعرف القليل نسبيًّا عن الجليد في القطبين القمريين. "ولكن من المؤكد أن له إمكانيات علمية كبيرة، وفق كيفية وتوقيت وصوله إلى هناك".
يقول لوسي إنه على وجه الخصوص، أي جليد نيزكي مدفون في مصيدة باردة بفوهة قمرية يمكن أن تكون له أهمية فلكية بيولوجية؛ إذ ربما يحتوي على إشارات حول كيفية ظهور المكونات الأساسية للحياة لأول مرة في النظام الأرضي القمري. وقد يكون من المهم الحفاظ على هذا الدليل من التلوث نسبيًّا بفعل مهمات الهبوط على القمر في المستقبل.
يقول لوسي: "قد تكون هناك مواقع فريدة ينبغي الحفاظ عليها من البداية لأغراض الاستكشاف العلمي". ولكن حتى الآن لا توجد خرائط مفصلة بما فيه الكفاية لتوزيع الجليد مما يسمح بتحديد المواقع ذات الأهمية. ويقول إن التنقيب القمري يمكن أن يتيح فرصًا لأخذ عينات من طبقات الجليد، وهو الأمر الذي سيكون من ناحية أخرى خارج نطاق ميزانية الاستكشاف العلمي لوكالة فضاء.
ويفترض لوسي أنه "إذا كانت [المواد] العضوية موجودةً عند قطبي القمر، فإنها تمثل فرصةً لإجراء اختبار ميداني لنماذج التركيب [الكيميائي] المقترحة للمذنبات والسحب بين النجمية، والتي بدورها يُعتقد أنها أدت دورًا مهمًّا في توفير المواد العضوية للأرض في بدايتها. ويقول إنه بالفعل لا يوجد مكان آخر خارج الأرض في نطاق المجموعة الشمسية أكثر مناسبةً من القمر لإجراء مثل هذه الدراسات.
بالمثل، يقول عالِم الفلك البيولوجي ديرك شولز-ماكوش، وهو أستاذ بجامعة برلين التقنية بألمانيا، وأستاذ مساعد في جامعة ولاية واشنطن: إن الجليد القمري قد يحتوي على الآثار الوحيدة التي قد نجدها من التطور المبكر للحياة على الأرض. ويقول: "أعتقد أنه ينبغي أن «نذهب» [للتنقيب في الجليد القمري]، ولكن ينبغي بالتأكيد أيضًا أن نُجري تحليلات للعثور على أي مواد عضوية قد يحتوي عليها هذا الجليد. بتلك الطريقة قد يكون بمقدورنا حل لغز كيفية نشأة الحياة على الأرض".
العلم أولًا
وفقًا لجيم جرين، كبير علماء ناسا، فإن التقديرات الحالية تشير إلى أنه يوجد ما يتراوح بين مئة ومئتي مليون طن من الجليد المائي في فوهات القمر المظلمة، وهو أمر مثير. "من الناحية العلمية، نحن متحمسون بشأن الأمر؛ لأننا نريد أن نعرف الكيفية التي وصل بها الجليد إلى هناك.. وهل حدث كل ذلك دُفعةً واحدة، أم أنه [لا يزال] يحدث حتى اليوم؟".
يقول جرين إنه من خلال دراسة تلك المناطق الظليلة دومًا، لن يتمكن المستكشفون في المستقبل من الاطلاع على تاريخ الارتطامات القمرية فحسب، بل من الممكن أيضًا أن يتوصلوا إلى اكتشافات جديدة حول باطن القمر، مثل تاريخ الماء والمُركّبات سريعة التبخر الأخرى في غلاف القمر. ويضيف: "إنها تقودنا إلى الرغبة العلمية في الذهاب إلى هذه المواقع والعودة بالعينات المبرَّدة لدراستها في المختبر".
هل يعني ذلك أخذ عينات جليد جوفية من كل الفوهات المحرومة من ضوء الشمس على سطح القمر، ثم نقول إنه ممنوع الاقتراب من كل تلك المياه المتبقية؟
يؤكد جرين: "إجابتي عن ذلك هي «لا»، مطلقًا. سنحتاج إلى الحصول على عينات مرة أخرى، وعلى الأرجح سنعود بعينات قبل أن تنهض صناعة التعدين وتقوم بعملها. سوف ينتظروننا حتى نحصل على عينات جوفية ونخبرهم بما وجدنا فيها. بادئ ذي بدء، العلماء لا يعرفون بعد، وسيرغبون أن يعرفوا. إنها فترة حافلة بالإثارة للغاية. والأمر كله يتعلق بعمل الاستكشاف العلمي أولًا".
يروي جرين أن تصنيف القمر من ناحية الحماية الكوكبية يعود تاريخه إلى برنامج أبوللو للهبوط على القمر. بعد عودة رواد فضاء مهمة أبوللو 11 إلى الأرض من رحلتهم التاريخية للقمر، حُجِزوا في الحجر الصحي، وهي مقطورة متخصصة ذات نظام توزيع هوائي. وكذلك كان الحال مع فريق مهمتي أبوللو 12 و14 للهبوط على القمر.
يقول جرين: "عندما تقرر أنه لا توجد أي مواد بيولوجية مثيرة للقلق في العينات القمرية، فُتِحَت الأبواب للسماح لرواد الفضاء بالعودة إلى ديارهم". ومن ثم فإن تصنيف القمر هو "عودة غير مقيدة إلى الأرض" للعينات القمرية.
ولكن استنادًا إلى الملحوظات العلمية الجديدة بشأن القمر، هل ثمة أي تفكير في تغيير ذلك التصنيف، وإن كان الأمر كذلك، فما هو المسوِّغ؟
إذا حدث ذلك، فإنه سيأتي من قِبَل الفريق المعني بالحماية الكوكبية في لجنة الأمم المتحدة لأبحاث الفضاء (COSPAR)، والذي يعمل فيه جرين ممثلًا لناسا. يقول: "في الوقت الحالي، لا أرى أي سبب يستدعي منا اتخاذ وقفة لتغيير التصنيف".
احتلال القمر؟
إذًا ما الذي نحتاج إليه للحصول على أفضل ما في كلا الجانبين، لاستغلال الجليد القمري بغرض الاستدامة وكذلك في البحث العلمي؟
تشير جوان جابرينويتش -التي تشغل منصب أستاذ فخري في قانون الفضاء بجامعة ميسيسيبي- إلى أن هذا الأمر يمثل مجالًا لنقاش دولي نشط، على الرغم من أن المبادئ التوجيهية الأساسية قد وُضعت في معاهدة الأمم المتحدة للفضاء الخارجي في عام 1967. إن جابرينويتش هي عضو في لجنة وواضع مشارك لتقرير صادر في عام 2018 عن الأكاديميات الوطنية حول سياسة الحماية الكوكبية، تناول كيفية تحديد المناطق ذات القيمة العلمية وحمايتها.
إذا اعْتُقِد أن جليد المياه على القمر غني بحياة ميكروبية سابقة أو حالية على سبيل المثال، فقد يتم تطويقه والحفاظ عليه للدراسة. تقول غابرينويتش: "من وجهة نظر العلم، هذه الخطوة منطقية للغاية".
على النحو الموصى به في التقرير، ثمة حاجة إلى اتفاق دولي رسمي لتناوُل قضية حماية القمر باعتباره  موردًا للدراسات العلمية، بغض النظر عما إذا كانت عملية الاستكشاف تجري على يد جهة حكومية أو شركات خاصة. يمكن لمثل هذا الاتفاق أن يضع المبادئ التوجيهية لتحديد المناطق الحساسة من القمر وحمايتها بناءً على توصيات من علماء ومهندسين وواضعي السياسات، وسيصدر من خلال الأمم المتحدة. وسيعتمد أساسه القانوني على المادة الثانية من معاهدة الفضاء الخارجي، التي تنص على أن القمر "لا يخضع للتملك الوطني من خلال المطالبة بالسيادة، أو عن طريق الاستغلال أو الاحتلال، أو بأي وسيلة أخرى". تقول جابرينويتش إن منع الوصول إلى قطاع من القمر لأن له قيمة علمية، سيعتبر بمنزلة "احتلال" بموجب معاهدة الفضاء الخارجي.
وتقول: "لهذا السبب يجب أن يكون هناك اتفاق دولي. فالأمر ليس مجاملة دبلوماسية. إنه ضرورة قانونية".

Post a Comment

Total Pageviews

Blog Archive

المشاركة على واتساب متوفرة فقط في الهواتف