أعيدوا تسمية متلازمة سرطان الثدي لتساعدوا في إنقاذ الأرواح
يحاجج كولن سي. بريتشارد
بأنّ الأفراد من جميع الأجناس قد يحملون جينات خطيرة، يُفترض عادةً أن
تأثيرها يقتصر على النساء فقط. وقد يساعد طرح تسمية جديدة للمرض على
الوقاية من السرطان، وعلاجه.
باحثان أمام شاشة عرض توضِّح تسلسل الحمض النووي لخلية سرطانية لمريض.
Joshua Lott/NYT/Redux/eyevine
وليس والديَّ فقط هما مَن لا يدركان أن الأفراد من الأجناس كافة (وهذا يشمل المتحولين جنسيًّا) قد يحملون طفرات في الجينين؛ BRCA1، وBRCA2، فهناك كثيرون لا يدركون ذلك. وهذه الجينات ترمّز البروتينات التي تُعتبَر مرتبطة باحتمالية الإصابة بسرطان الثدي، لكنها ترتبط أيضًا بتزايد خطر الإصابة بسرطان البروستاتا، وسرطان البنكرياس، وغيرهما من الأمراض.
ونظرًا إلى أن هذه الحقيقة لا يدركها الكثيرون، نجد أن الأشخاص المعرّضين لخطر كبير لا يخضعون للفحوص في الوقت المناسب. كما يقل احتمال الخضوع للفحص – على وجه الخصوص - في أوساط أولئك الذين يعرِّفون أنفسهم في المجتمع كرجال1. وقد يواجه الأشخاص ممن يخضعون للفحص صعوبة في استيعاب المدلول الكامل لنتائجهم، سواء فيما يتعلق باحتمالية إصابتهم بالسرطان، أو احتمالية إصابة أفراد أُسَرهم به.
في العام الماضي (2018)، كنت مشاركًا في رعاية رجل مصاب بسرطان البروستاتا في مرحلة متأخرة. وكان يعلم أن شقيقته تحمل طفرة في جين BRCA2، لكنه لم يخضع لفحوص لاكتشاف ما إنْ كان حاملًا للطفرة، أم لا، إذ لم يوصه أي من ممارسي الطب العام بالخضوع لهذا الفحص. ولم يستطع هذا الرجل السير؛ بسبب الألم الناجم عن السرطان، وكان يفكر في اللجوء إلى مستشفى لرعاية ذوي الأمراض العضال عندما اقترح طبيب أورام جديد إجراء فحص وراثي له. وتمكّن المريض بعد اكتشاف أنه يحمل طفرة جين BRCA2 من البدء في الخضوع لعلاج أكثر فعالية للسرطان، وفي غضون أسابيع كان قادرًا على لعب الجولف. وفوق ذلك.. كان للرجل ابنتان اعتقدتا أنهما لم تكونا معرّضتين لخطر حمل طفرة في جين BRCA2، لأنها كانت من طرف والدهما. وخضعتا للاختبار، واستخدمتا النتائج لاتخاذ تدابير وقائية تقلل من احتمال الإصابة بسرطان الثدي والمبيض إلى حد كبير.
في رأيي، ينبع جزء من الالتباس من أن حاملي الطفرات في جيني؛ BRCA1، أو BRCA2 يقال إنهم مصابون بـ"متلازمة سرطان الثدي والمبيض الوراثية"، أو ما يُعرف اختصارًا بـHBOC. وهذا المصطلح ليس مضلًلا فحسب، بل إنه مستعصٍ كذلك على النطق، ويصعب تذَكُّره أيضًا. ولحسن الحظ، هناك حل بسيط؛ ألا وهو إعادة تسمية المتلازمة.
اعتبارات تدخل في تسمية المرض
يحمل عدد يتراوح بين فرد واحد من كل 40 فردًا، وفرد واحد من كل 400 فرد طفرة في أحد الجينين؛ BRCA1، أو BRCA2، وذلك يتوقف على المجموعة السكانية التي نكون بصددها. ومن ثم، في تقديري، فإن الالتباس الناجم عن اسم المتلازمة قد يؤثر على آلاف الأشخاص المصابين بالسرطان، وأُسَرهم.
تتساوى الأجناس جميعها في معدلات إصابتها بالطفرات في الجينين BRCA1، أو BRCA2؛ وجميعها متساوية في احتمالية توريثها لهذه الطفرات إلى نسلها. ومع ذلك.. فقد أظهرت دراسة أجريت في عام 2018 أن عدد النساء اللواتي خضعن لفحوص للكشف عن هذه الطفرات يفوق عدد الرجال1 بعشرة أمثال في الولايات المتحدة الأمريكية (انظر: "فحوص لم تُجرَ")؛ بينما كانت معدلات فحوص الكشف عن الجينات المرتبطة بخطر الإصابة بسرطان القولون متساوية بين الجنسين. وأظهرت دراسات أخرى أن الرجال الذين خضعوا للفحص من أجل الكشف عن طفرات الجينين؛ BRCA1، أو BRCA2، والذين جرى تشخيصهم بالإصابة بمتلازمة سرطان الثدي والمبيض الوراثية، كثيرًا ما يكونون غير متأكدين من إمكانية إصابتهم بالسرطان، وأحيانًا يخفون المعلومات عن عائلاتهم؛ خشية من وصمهم2،3.
أقترِح إعادة تسمية متلازمة سرطان الثدي والمبيض الوراثية باسم متلازمة «كينج» King، فهذا اسم يسهل تذَكُّره. وهو لا يعني أن المرض يصيب جنسًا واحدًا فقط، أو أن الأشخاص الذين يحملون طفرات في الجينين؛ BRCA1، أو BRCA2 سيصابون بأنواع بعينها فقط من السرطان. هذا.. وسوف يُعترف بالإسهامات الجوهرية لعالمة وراثيات السرطان الرائدة ماري-كلير كينج، صاحبة اكتشاف الجين BRCA1 (انظر: "رائدة علم وراثيات السرطان").
ماري-كلير
كينج.. رائدة علم
وراثيات السرطان في
منتصف سبعينيات القرن الماضي، كانت ماري-كلير
كينج (في الصورة) أول مَن أدرك أن سرطان الثدي والمبيض الوراثيَّين قد يكونان ناجمَين
عن جين واحد. وفي عام 1990، تعرَّفت - بمساعدة فريقها من جامعة كاليفورنيا، بيركلي - على
موضع الجين BRCA113،14. وفي
الوقت الحالي، في
جامعة واشنطن بسياتل، يشار15 إلى كينج باعتبارها مؤسسة
علم وراثيات السرطان، ومناصِرة قديمة لفحوص الجينين؛ BRCA1، وBRCA2.وقد أجرى مئات الآلاف من الأشخاص فحوص الكشف عن طفرات هذين الجينين، وأُنقِذت
حياة عدد كبير من الناس، عن طريق الوقاية من السرطان، لكنْ في ضوء وجود عدد يقدّر بحوالي 19 مليون حامل للطفرة في جميع أنحاء
العالم على الأقل، ما زال أمامنا طريق طويل. كولن سي.
بريتشارد.
Mary-Claire King
قد تكون هناك فوائد مباشرة لتغيير اسم متلازمة سرطان الثدي والمبيض الوراثية إلى متلازمة «كينج»، تعود على مقدمي الرعاية الصحيّة، وعلى المرضى جميعهم، وهي كالتالي:
المرونة: فإزالة نوع السرطان من اسم المتلازمة ونوعية الجنس الذي يصاب بها من الاسم من شأنه إتاحة مزيد من المرونة مع تطور المعرفة العلمية.
وقد يكون الأشخاص الذين يحملون طفرات في جينات أخرى بخلاف BRCA1، وBRCA2 مصابين بمتلازمة مشابهة لمتلازمة سرطان الثدي والمبيض الوراثية. وقد اقترح بعض الباحثين إعادة تسمية الجين PALB2 باسم BRCA3. (يرمز الجين PALB2 بروتينًا يشترك مع بروتين BRCA2 في مسار ترميم الحمض النووي عينه، وهناك تأثيرات متماثلة للطفرات في كليهما4.) وبإيجاز.. سيمكّن مصطلح متلازمة «كينج» الباحثين من ربط جينات أخرى بالمتلازمة بسهولة أكبر مع تقدُّم المعرفة العلمية.
التواصل: إذ سييسِّر تغيير الاسم أيضًا إدراك الناس لحقيقة أن هذه المتلازمة تصيب الأجناس كافة، ويمكن أن تُوَرث لنسل الذكور، ويمكن ربطها بالجينات التي لا يرتبط اسمها تحديدًا بسرطان الثدي، أو المبيض.
لنأخذ سرطان البروستاتا كمثال، حيث يوصي أحدث الإرشادات التوجيهية الإكلينيكية الأمريكية بخضوع الأشخاص المصابين بسرطان البروستاتا في مراحل متأخرة لفحوص؛ لتقصِّي وجود طفرات في الجينَين؛ BRCA1، وBRCA2. وينبع هذا من اكتشاف أن نسبة عالية من المصابين بسرطان البروستاتا الذي انتقل إلى مناطق أخرى (سرطان نقيلي) تحمل طفرات في هذين الجينين، وكذلك في جينات ترميم الحمض النووي الأخرى ذات الصلة، التي ترتبط عادة بسرطان الثدي، والمبيض. وتنبع هذه التوصيات أيضًا من معرفة أن وجود مثل تلك الطفرات له تأثير على فعالية العلاجات5- 8.
ومع ذلك.. فلم تُحدَّث الإرشادات التوجيهية لعلاج سرطان البروستاتا إلا مؤخرًا، لتتضمن توصية بإجراء فحص للكشف عن طفرات الجينين؛ BRCA1، وBRCA2. فقبل عام 2017، أُتيحت لمقدمي الرعاية الصحية في الولايات المتحدة توصيات، يبدو أنها تركز على سرطان الثدي والمبيض. وعلى وجه التحديد، اقتصر وجود هذه التوصيات على الإرشادات التوجيهية التي تحمل عنوان "التقييم الوراثي/العائلي لارتفاع خطر الإصابة: الثدي، والمبيض"9.
فوائد التسمية الجديدة
وهناك سابقة لإعادة تسمية متلازمة مرتبطة بخطر إصابة بالسرطان، نسبةً إلى عالِم رائد؛ من أجل شرح المتلازمة.
على مدى عدة سنوات، أشار مقدمو الرعاية الصحية وغيرهم إلى الأشخاص الذين يحملون طفرات في أي من الجينات الأربعة المشاركة في نوع معين من آليات ترميم الحمض النووي، باعتبارهم مصابين بمتلازمة سرطان القولون والمستقيم الموروثة غير المصاحَبة بالأورام السليلية، أو ما يُعرف اختصارًا بـ(HNPCC). وعلى مدار السنوات العشر الماضية، لجأ المختصون مرة أخرى إلى المصطلح الأصلي، وهو متلازمة «لينش» Lynch. فقد (أنجز الطبيب الأمريكي هنري لينش - الذي توفي في شهر يونيو من العام الحالي (2019) - العديد من الأعمال الرائدة في ستينيات القرن الماضي، والسبعينيات منه؛ للتعرف على هذه المتلازمة التي تصيب عائلات بعينها10).
وكما هو الحال مع متلازمة سرطان الثدي والمبيض الوراثية، وجد متخصصو الطب الإكلينيكي وغيرهم أن اسم متلازمة سرطان القولون والمستقيم الموروثة غير المصاحبة بالأورام السليلية مضلل؛ لأنه لا يعكس بدقة أنواع السرطان المقترنة بهذه المتلازمة، فالأشخاص المصابون بمتلازمة «لينش» أكثر قابلية للإصابة بسرطان القولون والمستقيم، لكنهم قد يصابون أيضًا بسرطان بطانة الرحم (الذي يبدأ في الرحم)، وكذلك سرطان المعدة، والمبيض، بالإضافة إلى بعض أشكال سرطان المثانة، والعديد من أنواع السرطان الأخرى. كما أنهم معرضون أيضًا لخطر تكوين آفات مُمهِّدة للإصابة بالسرطان في القولون (أورام سليلية في القولون، والمستقيم)، وهو ما يجعل عبارة "غير المصاحَبة بأورام سليلية" في الاسم القديم عبارة مضلّلة للغاية.
وقد لا يوافق البعض على أن اسم متلازمة «كينج» هو الخيار الأفضل للتسمية الجديدة؛ لأنه لا يصف المتلازمة. وربما يفضلون - عوضًا عن ذلك – اسمًا آخر، مثل "متلازمة القصور في ترميم الحمض النووي بإعادة التركيب المتماثل". لكنّ اسمًا كهذا سيكون مثل نظيره السابق، يصعب تذَكُّره في أوساط مقدمي الرعاية الصحية، والمرضى.
وقد يساور القلق آخرين بشأن احتمال انخفاض معدلات إجراء الفحوص بين النساء متوافقات الجنس (اللاتي يتوافق جنسهن الحالي مع الجنس الذي وُلدن عليه) في ظل التسمية الجديدة (خاصة بالنظر إلى الدلالة الذكورية لكلمة «كينج»)، وأن الرعاية الصحية المرتبطة بالمرض قد تتأثر. وأنا أقرّ بإمكانية وجود جوانب سلبية محتملة للتسمية، لكني أعتقد أنها ستتراجع أمام التحسن في الرعاية الصحية الذي قد يترتب عليها، إذ يمكن للاسم أن يساعد الناس على فهْم أن خطر إصابتهم بالسرطان لا يقتصر على سرطان الثدي، والمبيض. وقد يساعدهم أيضًا على التعبير بشكل أفضل عن مخاطر المرض لأفراد أُسَرهم، أو لمقدم رعاية صحية جديد، وبالتالي تعزيز فرصة إجراء الفحص.
قد تؤدي إعادة تسمية المتلازمة إلى إثارة نقاش أوسع حول الأسماء المربكة للمتلازمات الوراثية السرطانية. فعلى سبيل المثال.. تنجم "متلازمة سرطان المعدة المنتشر الوراثية" بشكل أساسي عن طفرات موروثة في الجين CDH1، الذي يرمِّز بروتينًا يساعد على تكوين شكل الخلايا الظهارية، ويحافظ عليه. ومن أمثلة هذه الخلايا.. تلك الموجودة في بطانة الأمعاء. ويكون حاملو هذه الطفرات أكثر عرضة بكثير من عامة الناس للإصابة بنوع معين من سرطان الثدي11، ويواجه نسل الأسر المصابة بهذه المتلازمة خطر الإصابة ببعض أنواع التشوهات الخلقية؛ مثل الشفة المشقوقة12.
في نهاية المطاف، يُلاحَظ أنّاستخدام أسماء بسيطة، ومرنة، بدلاً من أسماء صعبة الفهم،لا تواكب الدراية العلميةالآخذة في التطور، من شأنهأن ينقذ الأرواح؛ من خلال تحسين التواصل، ورفع الوعي.
References
- Childers, K. K., Maggard-Gibbons, M., Macinko, J. & Childers, C. P. JAMA Oncol. 4, 876–879 (2018). | article
- Rauscher, E. A., Dean, M. & Campbell-Salome, G. M. J. Genet. Couns. 27, 1417–1427 (2018). | article
- Strømsvik, N., Råheim, M., Øyen, N.,Engebretsen, L. F. & Gjengedal, E. J. Genet.Couns. 19, 360–370 (2010). | article
- Antoniou, A. C. et al. N. Engl. J. Med. 371, 497–506 (2014). | article
- Castro, E. et al. J. Clin. Oncol. 31, 1748–1757 (2013). | article
- Mateo, J. et al. N. Engl. J. Med. 373, 1697–1708 (2015). | article
- Na, R. et al. Eur. Urol. 71, 740–747 (2017). | article
- Pritchard, C. C. et al. N. Engl. J. Med. 375, 443–453 (2016). | article
- National Comprehensive Cancer Network. Genetic/Familial High-Risk Assessment: Breastand Ovarian Version 2.2019 (2019). | article
- Lynch, H. T., Snyder, C. L., Shaw, T. G., Heinen, C. D. & Hitchins, M. P. Nature Rev. Cancer 15, 181–194 (2015). | article
- Hansford, S. et al. JAMA Oncol. 1, 23–32 (2015). | article
- Figueiredo, J. et al. J. Med. Genet. 56, 199–208 (2019). | article
- Hall, J. M. et al. Science 250, 1684–1689 (1990). | article
- King, M. C. Science 343, 1462–1465 (2014). | article
- King, M. C., Levy-Lahad, E. & Lahad, A. J. Am. Med. Assoc. 312, 1091–1092 (2014). | article