"آلام شديدة في المعدة" كانت آخر ما تبقى لدى السائحة البريطانية من ذكريات زيارتها لمدينة شرم الشيخ المصرية، والتي ما إن وصلت لندن حتى تم فحصها وتشخيص حالتها. سالمونيلا.. هكذا وُصفت حالة السائحة جوان رامشا، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة ميرور البريطانية في 11 يناير 2016، وعلى أثر ذلك بدأت إجراءات مقاضاة المنتجع الذي أقامت فيه خلال زيارتها للمدينة.
التهديد الذي تشكِّله هذه البكتيريا جعل منها محور اهتمام دراسة لمعهد سالك لدراسات البيولوجية في كاليفورنيا بالولايات المتحدة؛ إذ لحظ الباحثون اعتماد البكتيريا على الإبقاء على شهية المريض مفتوحة قدر الإمكان، إلى جانب حبس البراز لتتغذى عليه السالمونيلا.
ووفقًا للدراسة فإن حدوث إسهال ناتج عن الإصابة بعدوى السالمونيلا يؤثر على دورة حياتها وفرص بقائها، لذا تتغلب البكتيريا على نقص المغذيات بسبب الإسهال بتشجيع المُصاب على تناوُل الطعام، عن طريق حث العصب الحائر على الإحساس بالجوع، وتساعد على إنتاج بروتين SIrP، الذي يثبِّط الإشارات المُفقِدة للشهية.
إبطال عمل 5 جينات
تعيش بكتيريا السالمونيلا في القناة الهضمية للحيوانات والإنسان، وتتكاثر هناك من خلال التغذي على ما يتناوله المصاب، وتنتقل للإنسان خلال التعامل الأيدي أو أدوات المطبخ مع لحوم الحيوانات المصابة لتجهيزها للطهي، أو في حال تناول منتجات غير مطهوة بشكل كاف مثل تناول البيض النيئ.
ومع معرفة السمات المميِّزة لسلوك السالمونيلا داخل جسم المصاب، بات منع وصول الغذاء لها موضع اهتمام فريق بحثي في جامعة أوهايو الأمريكية؛ إذ تَمكَّن من اكتشاف مجموعة من الجينات الجديدة المسؤولة عن نقل واستخدام المركب الغذائي الأساسي للإبقاء على نشاط بكتيريا السالمونيلا.
وتشير نتائج البحث إلى أن الحيلولة دون حصول البكتيريا على هذا المركب تعني إضعاف قدرتها على إحداث مرض حوالي ألف مرة، بما يبشر بإمكانية إيجاد علاج جديد لهذه البكتيريا الضارة، بعيدًا عن المضادات الحيوية التقليدية التي فقدت الكثير من قدرتها عبر الزمن.
ويوضح الباحث الرئيسي في هذه الدراسة محمد مدحت علي -الأستاذ المساعد بمدينة زويل للأبحاث العلمية- لـ"للعلم" أنه جرى تحديد خمسة جينات للميكروب، يؤدي إبطال مفعولها إلى إضعاف البكتيريا بشكل كبير جدًّا، وذلك من خلال التجارب على الفئران.
وأطلق الفريق البحثي على الجينات المكتشَفة اسم fra نسبة إلى "الفركتوز أسبرجين Fructose Asparagine" الذي تتغذى عليه السالمونيلا، وتستخدم هذه الجينات الفركتوز أسبرجين مَصدرًا للكربون، يُبقي البكتيريا في حالة نشاط.
ويشرح علي: "اكتشاف الجينات الخمسة التي لم يسبقنا أحد لاكتشافها وتوصيف وظيفتها تم باستخدام تقنية "الميكرو-أراي Microarray"، أو ما يُعرف بالمصفوفات الدقيقة".
ويتابع: "إن هذا الاكتشاف هو خطوة أولى في طريق يهدف في النهاية إلى التوصُّل لدواء يعطل أداء هذه الجينات لوظيفتها".
ويحتاج تحويل الاكتشاف لدواء إلى عدة خطوات أخرى -كما يقول علي- إذ يتطلب الأمر تعاونًا مع إحدى شركات الأدوية من أجل إجراء تجارب تقود في النهاية إلى التوصُّل لدواء أو مُركّب يستهدف تعطيل وظيفة الجينات الخمسة.
مطلوب أدوية جديدة
ويتفق سعيد شلبي -استشاري الجهاز الهضمي بالمركز القومي للبحوث- مع صاحب الاكتشاف حول أهمية تحويله إلى دواء، مشددًا على أهمية تحديث أدوات المقاومة للميكروبات كل فترة.
ويقول لـ"للعلم": "مع الوقت تكتسب الميكروبات مناعة في مقاومة الدواء المستخدم، وهو ما يقتضي البحث دومًا عن دواء جديد".
ومع أهمية هذا الاتجاه، يشدد شلبي على قاعدة "الوقاية خير من العلاج"، ذلك أن ميكروب السالمونيلا، وإن كان يمتلك خصائص فريدة تُمكّنه من البقاء داخل الأمعاء، إلا ان الوقاية منه تحتاج فقط إلى النظافة.
ويضيف: "في دولة مثل مصر تسعى لاسترداد مكانتها كواحدة من أهم المقاصد السياحية في العالم، فإن الإصابة بالسالمونيلا قد تؤثر على الإقبال السياحي".
السالمونيلا تضر الاقتصاد
ويتفق علي على أهمية إنتاج هذا الدواء في ضوء الخسائر الاقتصادية التي تسببها الإصابة بالسالمونيلا. ويضيف: "يكفي أن نعرف حجم خسائر الولايات المتحدة الأمريكية بسبب السالمونيلا، والتي قدرها تقرير لمنظمة الصحة العالمية عام 2004 بـ3 مليارات دولار سنويًّا".
ويعزو الباحث حجم هذه الخسائر إلى المواصفات الفريدة لهذه البكتيريا. ويقول: "جهاز المناعة يُستنفَر في وجود البكتيريا في الأمعاء، فيؤدي ذلك إلى حدوث التهابات، تستفيد منها السالمونيلا، بل وتشجع على حدوثها".
وتصيب السالمونيلا كلًّا من الإنسان والحيوان وكذلك بعض النباتات، وعبر ملايين السنين من التطور، استطاع هذا الميكروب اكتساب العديد من الچينات الجديدة التي أهَّلته ليكون بهذه الضراوة.
وبالرغم من أن المحتوى الچيني للسالمونيلا معروف تمامًا منذ 100 عام أو أكثر، على يد العالم أمريكي يسمى الدكتور دانييل سلمون ، إلا أن ٤٠٪ من هذه الچينات غير معلوم الوظيفة حتى الآن، ومن هنا تأتي أهمية إجراء البحوث لفك لغز هذا الميكروب، خاصة مع تجاوز عدد سلالات السالمونيلا لأكثر من 2300 سلالة.